سورة البقرة - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قوله عز وجل: {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية} سميت قرية لاجتماع الناس فيها قال ابن عباس: هي أريحاء قرية الجبارين وقيل: كان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم: العمالقة ورأسهم عوج بن عنق، فعلى هذا يكون القائل يوشع بن نون لأنه هو الذي فتح أريحاء بعد موت موسى لأن موسى مات في التيه، وقيل: هي بيت المقدس وعلى هذا فيكون القائل موسى. والمعنى إذا خرجتم من التيه بعد مضي الأربعين سنة، ادخلوا بيت المقدس {فكلوا منها حيث شئتم رغداً} أي موسعاً عليكم {وادخلوا الباب} فمن قال: إن القرية أريحاء قال ادخلوا من أي باب كان من أبوابها وكان لها سبعة أبواب ومن قال إن القرية هي بيت المقدس قال هو باب حطة {سجداً} محنين خضعاً متواضعين كالراكع ولم يرد به نفس السجود {وقولوا حطة} أي حط عنا خطايانا أمروا بالاستغفار. وقال ابن عباس قولوا لا إله إلا الله لأنها تحط الذنوب والخطايا على تقدير مسألتنا حطة {نغفر لكم خطاياكم} أي نسترها عليكم من الغفر وهو الستر لأن المغفرة تستر الذنوب {وسنزيد المحسنين} يعني ثواباً {فبدل} أي فغير {الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم} أي قالوا قولاً غير ما قيل لهم، وذلك أنهم بدلوا قول الحطة بالحنطة، وقالوا بلسانهم حطاناً سمقاثاً أي حنطة حمراء، وذلك استخفافاً منهم بأمر الله تعالى. وقيل: طؤطئ لهم للباب ليخفضوا رؤوسهم فأبوا ذلك ودخلوا زحفاً على أستاههم فخالفوا في الفعل ما خالفوا في القول، وبدلوه.
(ق) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قبل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعره» {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء} يعني عذاباً من السماء، قيل: أرسل الله عليهم طاعوناً فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفاً {بما كانوا يفسقون} أي يعصون ويخرجون عن أمر الله تعالى. قوله عز وجل: {وإذ استسقى موسى لقومه} أي طلب السقيا لقومه، وذلك أنهم عطشوا في التيه فسألوا موسى أن يستسقي لهم ففعل فأوحى الله إليه كما قال مبيناً {فقلنا اضرب بعصاك} وكانت العصا من آس الجنة طولها عشرة أذرع على طول موسى عليه الصلاة والسلام ولها شعبتان تتقدان في الظلمة نوراً واسمها عليق، وقيل: نبعة حملها آدم معه من الجنة فتوارثها الأنبياء حتى وصلت إلى شعيب فأعطاها موسى {الحجر} قال وهب: لم يكن حجراً معيناً بل كان موسى يضرب أي حجر كان فيتفجر عيوناً لكل سبط عين، وكانوا اثني عشر سبطاً، وقيل: كان حجراً معيناً بدليل أنه عرفه بالألف واللام قال ابن عباس: كان حجراً خفيفاً مربعاً قدر رأس الرجل وكان موسى عليه الصلاة والسلام يضعه في مخلاة، فإذا احتاجوا إلى الماء وضعه وضربه بعصاه وقيل: كان للحجر أربعة وجوه في كل وجه ثلاثة أعين لكل سبط عين وقيل كان من الرخام وقيل، كان من الكذان وهي الحجارة الليّنة وقيل: هو الحجر الذي وضع عليه موسى ثوبه ليغتسل، ففر به فأتاه جبريل وقال إن الله يأمرك أن ترفع هذا الحجر فلي فيه قدرة ولك فيه معجزة فوضعه في مخلاة فلما سألوه السقيا قيل اضرب بعصاك الحجر فكان إذا احتاجوا إلى الماء، وضعه وضربه بعصاه فتتفجر منه عيون لكل سبط عين تسيل إليهم في جدول، وكان إذا أراد حمله ضربه بعصاه فيذهب الماء وييبس الحجر فذلك قوله تعالى: {فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً} يعني على عدد أسباط بني إسرائيل، والمعنى فضربه فانفجرت قال المفسرون: انفجرت وانبجست: بمعنى واحد وقيل انبجست أي عرقت وانفجرت أي سالت {قد علم كل أناس مشربهم} أي موضع شربهم لا يدخل سبط على غيره {كلوا واشربوا} أي وقلنا لهم كلوا واشربوا {من رزق الله} يعني المن والسلوى والماء فهذا كله من رزق الله كان يأتيهم بلا مشقة ولا كلفة {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} العيث أشد الفساد في هذه الآية معجزة عظيمة لموسى عليه الصلاة والسلام، حين انفجر من الحجر الصغير ما روى منه الجميع الكثير ومعجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعظم لأنه انفجر من بين أصبعيه فروى منه الجم الغفير، لأن انفجار الماء من الدم واللحم أعظم من انفجاره من الحجر.


قوله عز وجل: {وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد} وذلك أنهم سئموا من المن والسلوى وملوه، فاشتهوا عليه غيره لأن المواظبة على الطعام الواحد تكون سبباً لنقصان الشهوة. فإن قلت: هما طعامان فما بالهم قالوا على طعام واحد. قلت: أرادوا بالواحد ما لا يختلف ولا يتبدل ولو كان على مائدة الرجل عدة ألوان يداوم عليها في كل يوم لا يبدلها كانت بمنزلة الطعام الواحد {فادع لنا ربك} أي فاسأل لنا ربك {يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها} قال ابن عباس: الفوم الخبز وقيل هو الحنطة، وقيل هو الثوم {وعدسها وبصلها} إنما طلبوا هذا الأنواع لأنها تعين على تقوية الشهوة أو لأنهم ملوا من البقاء في التيه، فسألوا هذه الأطعمة التي لا توجد إلا في البلاد وكان غرضهم الوصول إلى البلاد لا تلك الأطعمة {قال} يعني موسى {أتستبدلون الذي هو أدنى} أي الذي هو أخس وأردأ وهو الذي طلبوه {بالذي هو خير} يعني بالذي هو أشرف وأفضل وهو ما هم فيه {اهبطوا مصراً} يعني إن أبيتم إلا ذلك. فأتوا مصراً من الأمصار، وقيل: بل هو مصر البلد الذي كانوا فيه ودخول التنوين عليه كدخوله على نوح ولوط، والقول هو الأول {فإن لكم ما سألتم} يعني من نبات الأرض {وضربت عليهم الذلة} أي جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم وألزموا الذل والهوان وقيل: الذلة الجزية وزي اليهودية وفيه بعد لأنه لم تكن ضربت عليهم الجزية بعد {والمسكنة} أي الفقر والفاقة وسمي الفقير مسكيناً لأن الفقر أسكنه وأقعده عن الحركة، فترى اليهود وإن كانوا أغنياء مياسير كأنهم فقراء فلا ترى أحداً من أهل الملل أذل ولا أحرص على المال من اليهود {وباؤوا} أي رجعوا ولا يقال باء إلا بشراً {بغضب من الله} وغضب الله إرادة الانتقام ممن عصاه {ذلك} أي الغضب {بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله} أي بصفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم التي في التوراة ويكفرون بالإنجيل والقرآن {ويقتلون النبيين} النبي معناه المخبر من أنبأ ينبئ وقيل هو بمعنى الرفيع مأخوذ من النبوة وهو المكان المرتفع {بغير الحق} أي بغير جرم. فإن قلت: قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير حق فما فائدة ذكره. قلت: ذكره وصفاً للقتل والقتل يوصف تارة بالحق وهو ما أمره الله به وتارة بغير الحق وهو قتل العدوان فهو كقوله: {قال رب احكم بالحق} فالحق وصف للحكم، لا أن حكمه ينقسم إلى حق وجور. يروى أن اليهود قتلت سبعين نبياً في أول النهار، وقامت إلى سوق بقلها في آخره وقتلوا زكريا ويحيى وشعياء وغيرهم من الأنبياء {ذلك بما عصوا} أي ذلك القتل والكفر بما عصوا أمري {وكانوا يعتدون} أي يتجاوزون أمري ويرتكبون محارمي.


قوله عز وجل: {إن الذين آمنوا والذين هادوا} يعني اليهود سموا بذلك لقولهم: {إنا هدنا إليك} أي ملنا إليك وقيل: هادوا أي تابوا عن عبادة العجل وقيل إنهم مالوا عن دين الإسلام ودين موسى عليه السلام {والنصارى} سموا بذلك لقول الحواريين نحن {أنصار الله} وقيل: لاعتزائهم إلى قرية يقال لها ناصرة وكان المسيح ينزلها {والصابئين} أصله من صبأ إذا خرج من دين إلى دين آخر سموا بذلك لخروجهم من الدين قال عمر وابن عباس: هم قوم من أهل الكتاب قال عمر ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب وقال ابن عباس: لا تحل ذبائحهم ولا مناكحتهم وقيل: هم قوم بين اليهود والمجوس لا تحل ذبائحهم ولا مناكحتهم وقيل: هم قوم بين اليهود والمجوس لا تحل ذبائحهم ولا مناكحتهم وقيل: هم بين اليهود والنصارى يحلقون أوساط رؤوسهم وقيل: هم قوم يقرون بالله ويقرؤون الزبور ويعبد ون الملائكة ويصلون إلى الكعبة أخذوا من كل دين شيئاً، والأقرب أنهم قوم يعبد ون الكواكب وذلك أنهم يعتقدون أن الله تعالى خلق هذا العالم وجعل الكواكب مدبرة له فيجب على البشر عبادتها وتعظيمها، وأنها هي التي تقرب إلى الله تعالى. ولما ذكر هذه الوظائف قال {من آمن بالله واليوم الآخر} فإن قلت: كيف قال في أول الآية إن الذين آمنوا وقال في آخرها من آمن بالله فما فائدة التعميم أولاً ثم التخصيص آخراً قلت: اختلف العلماء في حكم الآية فلهم فيه طريقان أحدهما أنه أراد أن الذين آمنوا على التحقيق ثم اختلفوا فيهم فقيل هم الذين آمنوا في زمن الفطرة وهم طلاب الدين مثل حبيب النجار وقس بن ساعدة وورقة بن نوفل وبحيرا الراهب وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي، فمنهم من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وتابعه ومنهم من لم يدركه فكأنه تعالى قال: إن الذين آمنوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم والذين كانوا على الدين الباطل المبدل من اليهود والنصارى والصابئين من آمن منهم بالله واليوم الآخر وبمحمد صلى الله عليه وسلم فلهم أجرهم عند ربهم، وقيل: هم المؤمنون من الأمم الماضية وقيل: هم المؤمنون من هذه الأمة والذين هادوا يعني الذين كانوا على دين موسى ولم يبدلوا والنصارى الذين كانوا على دين عيسى ولم يغيروا والصابئين يعني في زمن استقامة أمرهم من آمن منهم ومات وهو مؤمن لأن حقيقة الإيمان تكون بالوفاة. وأما الطريقة الثانية فقالوا؛ إن المذكورين بالإيمان في أول الآية إنما هو على طريق المجاز دون الحقيقة وهم الذين آمنوا بالأنبياء الماضين ولم يؤمنوا بك وقيل: هم المنافقون الذين آمنوا بألسنتهم ولم يؤمنوا بقلوبهم واليهود والنصارى والصابئون، فكأنه تعالى قال هؤلاء المطلوبون كل من آمن منهم بالإيمان الحقيقي صار مؤمناً عند الله، وقيل: إن المراد من قوله إن الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم في الحقيقة حين الماضي، ثبتوا على ذلك المستقبل وهو المراد من قوله تعالى: {من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً} أي في إيمانه {فلهم أجرهم عند ربهم} أي جزاء أعمالهم {ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} أي في الآخرة.
قوله عز وجل: {وإذا أخذنا ميثاقكم} أي عهدكم يا معشر اليهود {ورفعنا فوقكم الطور} يعني الجبل العظيم قال ابن عباس: أمر الله جبلاً من جبال فلسطين فانقلع من أصله حتى قام على رؤوسهم وسبب ذلك أن الله تعالى لما أنزل التوراة على موسى، وأمرهم أن يعملوا بأحكامها فأبوا أن يقبلوها لما فيها من الآصار يعني الأثقال والتكاليف الشاقة أمر الله تعالى جبريل عليه السلام، أن يقلع جبلاً على قدر عسكرهم وكان قدره فرسخاً في فرسخ فرفعه فوق رؤوسهم قدر قامة كالظلة وقيل لهم: إن لم تقبلوا ما في التوراة وإلا أرسلت هذا الجبل عليكم {خذوا} أي قلنا لهم خذوا {ما آتيناكم} أي ما أعطيناكم {بقوة} أي بجد واجتهاد {واذكروا ما فيه} أي ادرسوا ما فيه {لعلكم تتقون} أي لكي تنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى وإلا رضت رؤوسكم بهذا الجبل فلما رأوا ذلك نازلاً بهم قبلوا وسجدوا، وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود فصار ذلك سنة في سجود اليهود لا يسجدون إلا على أنصاف وجوههم، ويقولون: بهذا السجود رفع عنا العذاب.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10